الآثار الاجتماعية والثقافية لتطور الكتابة والكتاب.
قديما
قال
الحكماء:
الحاجة
أم
الاختراع.
وقد
كانت الحاجة
بالفعل
هي
السبب
وراء
اختراع
الكتابة.
ربما
لا
يتصور
الإنسان
في
العصر
الحديث،
الحاجة
الأولية
التي
دفعت
الإنسان
منذ
مئات
السنين
إلى
اختراع
الكتابة،
ولا
يتصور
كيف
أن
أشكال
الكتابة
وأنواع
الكتب
المختلفة
الآن
من
الورقي
للإلكتروني،
والتي
تعد
الآن
من
المسلمات،
قد
أخذت
من
الإنسان
جهودا طويلة في
تطويرها، ترجع
إلى
مئات، بل
آلاف
السنين.
وكيف
أن
هذه
التطورات
أثرت
وتأثرت
بالتطورات
الاجتماعية
والسياسية
عبر
تلك
القرون.
بدأ
الإنسان
في
تدوين
الأعداد
أولا،
وكان
ذلك
-بحسب
المؤرخين-منذ
حوالي
40 ألف
سنة، لجأ
حينها
الإنسان
إلى
نقش
علامات
خطية،
على
العظام
أو
الأخشاب
أو
الأحجار،
تعبر
عن
الأعداد.
وكان
ذلك
لحصر
الممتلكات
أو
الصيد
أو
غير
ذلك
مما
قد
يحتاج
الإنسان
في
تلك
العصور
إلى
تدوينه،
ولذا
فيبدو
أن
السبب
الأول
لاختراع
الكتابة
كان
من
أجل
الأعمال
الإحصائية.
ولم
يكن
اختراع
تلك
العلامات
وما
شابهها
قصرا
على
حضارة
معينة
بل
نشأ
في
حضارات
مختلفة
بشكل
مستقل.
ظلت
هذه
العلامات
ومثيلاتها
هي
وسيلة
الكتابة
الوحيدة
المعروفة
لدينا،
وظلّت
مستخدمة
لعشرات
الآلاف
من
السنين،
تطورت
خلالها
هيئة
العلامات
قليلا،
بينما
ظل
استخدامها
كما
هو.
ومع
تطور
الحياة
المدنية
للإنسان
وتطور
المعاملات
التجارية
والسياسية
وتشعبها
حتى
أصبحت
أكثر
تعقيدا،
أصبح
الإنسان
في
حاجة
إلى
طريقة
لتدوين
بعض
الأفكار
أيضا،
فضلا
عن
الأعداد.
وكان
أول
من
ابتكر
طريقة
لكتابة
الأفكار
- في التاريخ المعروف بالنسبة
لنا - هم السومريون، في فترة تعد قريبة نسبيا، في منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد.
كانت
الكتابة
السومرية
(المسمارية)
تتم
باستخدام
أقلام
من
القصب
والخشب،
تنقش
بها
أشكال
مثلثة
طويلة
تشبه
المسامير
القديمة،
على
ألواح
من
الطين.
كان
كل
شكل
يعد
رمزا
تصويريا
لشيء
أو
لمعنى
ما،
فلم
تكن
الكتابات
الأولى
تعبر
عن
الأصوات
أو
الحروف،
ولذا
فهي
تسمى
بالكتابة
التصويرية
(pictogram -pictograph)، وبالرغم من أن ذلك النظام لا يعد عمليا، فهناك حاجة إلى رمز خاصا لكل معنى أو فكرة، إلا أنه كان يعد تطورا هاما جدا في التاريخ الفكري والاقتصادي والسياسي للإنسان استغرق آلاف السنين.
طور السومريون الكتابة في فترة تقرب من 1500 عام، فبدأوا في استخدام الكتابة للتعبير عن مفاهيم عامة غير تجارية أو غير متعلقة بشئون الحكم. فسجلوا الأدبيات الأسطورية مثل ملحمة جلجامش وبعض المعاجم والفهارس وبعض الكتابات الطبية والرياضية ومختلف معارف ذلك العصر. وبذلك يكون استخدام الكتابة تطور إلى الشكل المستخدم حتى يومنا هذا.
بدأ
الصينيون
أيضا
في
استخدام
الكتابة
في
الألف
الثالثةK وتطورت كتاباتهم حتى أن صارت كتابة إيديوجرافية (Ideographic) ترمز للمعاني، ولم تتطور أكثر من ذلك حتى يومنا هذا. كانت المادة التي استخدمها الصينيون الأوائل للكتابة هي شرائح البامبو الطويلة، ولعل هذا يفسرلماذا يكتبون بشكل عمودي وليس أفقيا ، ثم لجأوا بعد ذلك إلى ربط شرائح البامبو ببعضها البعض ويعد ذلك من أول صور الكتاب. كانت شرائط البامبو ثقيلة الحجم وصعبة في النقل والتخزين. فأدى ذلك إلى قيام أحد الصينيين باختراع الورق عن طريق عجينة تعتمد على لحاء الشجر يتم فردها وتجفيفها، فتصبح بذلك مادة مناسبة جدا للكتابة.
أما
في
مصر
فكانوا
يكتبون
بالهيروغليفية
بدئا
من
الألف
الرابعة
قبل
الميلاد،
وهي
أحد
اشكال
الكتابة
التصويرية
المعقدة.
واستخدموا
أيضا
الرسوم
التوضيحية
بجانب
الكتابة
الهيروغليفية،
مثل
ما
في
كتاب
الموتى،
الذي
يعد
أقد
الكتب
المصورة.
وكانوا
يكتبون
على
الحجارة
وأحيانا
على
الأخشاب،
اما
أشهر
مواد
الكتابة
في
مصر
كانت
ورق
البردي
وكان
يرسم
عليه
بالحبر
عن
طريق
أقلام
خشبية.
أما
شكل
الكتاب
المصنوع
من
البردي
فكان
على
هيئة
لفافة
طويلة،
وقد
استمر
هذا
الشكل
للكتاب
إلى
عصور
طويلة
بعد
ذلك.
كانت
الكتابة
التصويرية
كما
قلنا
من
قبل
نظاما
معقدا
للغاية،
ويحتاج
إلى
شخص
على
مستوى
خاص
من
التعليم
والتدريب
وصاحب
ذاكرة
قوية،
وبالتالي
كانت
الكتابة
والقراءة
مقصورين
على
قلة
من
المجتمع.
وكان
تعلمها
يتيح
للكاتب
الترقي
الوظيفي
والمكانة
الاجتماعية.
وظلت
الكتابة
بشكل
كبير
حكرا
على
نخبة
مجتمعية
حتى
اخترع
النظام
اللفظي،
أو
الأبجدي،
بمعنى
أن
الرموز
(الحروف)
تعبر
عن
أصوات
الألفاظ
المستخدمة
في
الحياة
العامة،
وبالتالي
كان
الأمر
يتطلب
فقط
تعلم
عدد
قليل
من
الرموز ، مما أدى في وقت لاحق إلى انتشار القراءة والكتابة على مستوى أكثر شعبية.
يعتبر
الفينيقيون
أول
من
طوروا
نظاما
صوتيا
مبسطا
للكتابة،
وساعد
اهتمامهم
بالتجارة
في
نقل
هذه
التقنية
إلى
باقي
الشعوب،
حيث
كانوا
يعملون
في
تجارة
أوراق
البردي،
من
مصر
إلى
اليونان
عبر
مدينة
بيبلوس
في
لبنان
الحالية.
وطور
عنهم
اليهود
واليونانيون
أسلوبهم
في
الكتابة.
ولذلك
نجد
أن
الكتاب
باللغة
اليونانية
يسمى
بيبلوس، وهو
ما
أصبح
فيما
بعد
اسما
للكتاب
المقدس وأخذت عنه كلمة Bible في الإنجليزية. مع الوقت انتشرت الكتابة بشكل واسع في أثينا التي أصبحت مركزا ثقافيا هاما، وكان ذلك سببا في زيادة التواصل بين الحكام والشعب ، حيث
كانت
تكتب
المنشورات
والوثائق
على
الحجارة
أو
البردي
أو
الرق
(الجلد
المجفف)
وتعلق
في
الأماكن
العامة
ليقرأها
الجميع،
فكانت
للكتابة
هنا
مساهمة
في
نشر
الديموقراطية
في
أثينا.
كتابة فينيقية
تعتبر
الكتب
المقدسة
أهم
ما
كتب
في
العصور
القديمة،
وترجع
خصوصية
تلك
الكتب
إلى
أنه
يجب
حفظها،
بشكل
دقيق
للغاية
يحميها
من
التحريف
والتشويه،
وكانت
تلك
المشكلة
أو
الحاجة
سببا
آخر
في
العديد
من
الاختراعات
المرتبطة
بالكتاب
وتاريخه.
نجد
مثلا
ان
في
الصين
ونظرا
لرموزهم
المعقدة
جدا
كانت
أخطاء
نساخ
الكتب
المقدسة
كبيرة
وهي
ما
أدت
مع
الزمن
إلى
حدوث
تحريفات
وتشويهات
للنصوص
الأصلية.
وهو
ما
أدى
إلى
أن
قرر
الإمبراطور
أن
يجمع
أفضل
العلماء
والنساخ
وأن
يقوموا
بكتابة
نسخة
دقيقة
بخط
واضح
وبارز
على
الحجارة
وأن
توضع
تلك
الحجارة
في
الأماكن
العامة،
بحيث
يمكن
لمن
يريد
نسخة
طبق
الأصل
أن
يقوم
بطلاء
الحروف
البارزة
بالحبر،
ثم
يلصق
عليها
الورق
وبذلك
يحصل
على
نسخته،
وتعد
تلك
أول
صيغ
الطباعة.
وبعد
ذلك
أصبح
ينقش
أيضا
على
ألواح
خشبية
تطلى
بالحبر
ثم
توضع
فوق
الورق
ويضغط
عليها
حتى
تنقل
الكتابة
على
الورق.
أما
في
أوروبا
وبعد
دخول
المسيحية،
وانتشارها
بين
الفئات
الشعبية
الفقيرة،
انتشرت
الكتابة
على
الرقوق
الجلدية
كبديل
أكثر
اقتصادية
عن
لفافات
البردي
الفاخرة
المستوردة
من
مصر،
ومع
انتشار
الرقوق
تحول
شكل
الكتاب
من
اللفافة
إلى
الكراس
(Codex) وكان
لذلك
الشكل
من
الكتاب
المصنوع
من
الرقوق
فائدة
كبيرة،
فكانت
مادته
أكثر
صلابة
من
البرديات
ثم
أنه
على
عكس
اللفافات
كان
يسمح
بالكتابة
على
الجانبين،
وكان
سهل
الاطلاع
والتخزين
والحمل
في
اليد،
علاوة
على
أنه
يمكن
مسحها
سواء
عن
طريق
غسلها
أو
كحتها
وهو
ما
يسهل
عملية
تصحيح
الأخطاء
أو
إعادة
الاستخدام.
ربما
يظن
البعض
أن
بعد
اختراع
شكل
الكراس
أنه
انتشر
بسرعة
كبيرة
نظرا
لمزاياه
الكثيرة،
إلا
أن
ذلك
لم
يكن
صحيحا،
فالنخبة
المثقفة
التي
كانت
تمثل
أغلبية
المتعلمين،
كانت
تفضل
لفافات
البردي
الفاخرة
لما
كانت
تمثله
من
أرستقراطية.
ولم
ينتشر
الكتاب
في
شكل
الكراس
إلا
بعد
أن
أصبحت
للمسيحية
السلطة
في
الإمبراطورية
الرومانية،
أي
بعد
القرن
الرابع.
ثم
انتقلت
الطبقية،
في
فترة
لاحقة
إلى
الكراس
أيضا،
فأصبحت
الأغلفة
ترصع
بالأحجار
الكريمة
والذهب
والفضة
والزخارف،
وحتى
الصفحات
الداخلية
كانت
تزخرف
ويرسم
عليها
بالألوان.
ظلت
صناعة
الكتاب
محصورة
بين
لفافات
البردي
والرقوق
حتى
تعلم
العرب
صناعة
الورق
من
الأسرى
الصينيين،
ونقلت
بعد
ذلك
إلى
أوروبا
عبر
إسبانيا،
لكن
صناعة
الورق
لم
تقضي
على
صناعة
الرقوق
بشكل
سريع،
فظلت
المنافسة
بينهم
قرون
طويلة
حتى
القرن
الثالث
عشر.
حيث
ظل
الكثيرون
يفضلون
الرقوق
على
الورق
نظرا
لمتانتها
ومقاومتها
للزمن.
لم
يتطور
حال
الكتاب
كثيرا
حتى
بدأ
عصر
النهضة
الذي
شهد
انتشار
المدارس
والجامعات
والمكتبات
وكثرة
القراء،
فأصبح
الكتاب
سلعة
رائجة
وأصبح
الطلب
عليه
كبيرا
جدا،
وواجه
المجتمع
مشكلة
حيث
كانت
الصحوة
العلمية
تتطلب
قدرة
على
إنتاج
الكتاب
بشكل
أسرع
من
النسخ
اليدوي.
فكان
أن
اخترع
جوتنبرج
آلة
الطباعة
الميكانيكية
عام
1445. وكان
لذلك
الاختراع
عامل
الحسم
في
استبدال
الرقوق
بالورق
بشكل
نهائي.
جوبتنبرج
صورة لأول كتاب مطبوع (الكتاب المقدس)
نموذج لمطبعة جوتنبرج
جدير
بالملاحظة
أنه
بالرغم
من
قدم
استخدام
الطباعة
باستخدام
الألواح
الخشبية
في
الصين،
وبالرغم
من
أن
العرب
نقلوا
صناعة
الورق
من
الصين
إلى
أوروبا،
إلا
أنهم
لم
ينقلوا
استخدام
الطباعة
في
النسخ،
ويبدو
أن
ذلك
يرجع
لأسباب
دينية،
فقد
وقف
العرب
لفترة
كبيرة
موقف
المتشكك
من
الطباعة
بالألواح
الخشبية
بالرغم
من
استخدامهم
لها
استخدامات
محدودة،
حتى
أنهم
وبعد
انتشار
المطابع
صدرت
الفتاوى
بتحريم
طباعة
القرآن.
ولعل
ذلك
أحد
أهم
أسباب
تأخر
انتشار
الطباعة
في
العالم.
صورة من أول قرآن مطبوع (فينيسيا 1537)
ظلت
آلة
الطباعة
التي
تعمل
بالكبس
الميكانيكي
ثم
بالبخار
لاحقا،
هي
وسيلة
الطباعة
لقرابة
خمسة
قرون،
بدئا
من
القرن
الخامس
عشر
وحتى
القرن
العشرين،
فمع
التطور
التكنولوجي
ظهرت
المطابع
التي
تعمل
بالكهرباء
ثم
في
نهاية
القرن
العشرين
ظهرت
أيضا
المطابع
الرقمية.
وكان
لكل
تطور
في
تكنولوجيا
المطابع
اثرا
في
زيادة
عدد
الورقات
والكتب
المطبوعة
في
العالم،
وفي
تقليل
تكلفة
الكتاب،
وبالتالي
في
انتشار
القراءة
والكتابة
والمعلومات
بشكل
كبير
ومتسارع
جدا،
وكان
له
أثر
في
نشر
العلم
بين
الطبقات
الأكثر
فقرا
وابتعادا
عن
المراكز
الثقافية
والحضارية.
مع
التطور
الرقمي
في
العقود
الأخيرة
ظهر
الكتاب
الإلكتروني
(e-book)،
الذي
يمكن
قراءته
على
الكمبيوتر
أو
أي
من
أجهزة
القارئ
الالكتروني،
وهذا
التطور
يناسب
الثورة
المعلوماتية
بشكل
كبير
حيث
أنه
أسهل
التخزين
والنقل
ويمكّن
من
البحث
في
الكتاب
أو
في
مجموعة
من
الكتب
قد
تصل
لعشرات
الآلاف
عن
موضوعات
محددة،
غير
أنه
يمكن
تخزين
التعليقات
أو
أخذ
العلامات
عليه
بشكل
أسهل.
وساهم
هذا
التطور
الرقمي
لشكل
الكتاب
في
البحث
العلمي
والتاريخي
والاجتماعي
وفي
مختلف
المجالات
البحثية،
نظرا
لما
يقدمه
من
مميزات
هائل.
ونلخص
ما
سبق
إلى أن
الكتاب
كان
وما
زال
أحد
أهم
أركان
تاريخ
الفكر
الإنساني،
تطورا
معا
عبر
القرون،
تأثر
فيها
الكتاب
أحيانا
سواء
بالمعتقدات
الدينية
أو
الأنظمة
السياسية
والاجتماعية
والاقتصادية،
وأثر
فيهم
في
أحيان
أخرى.
وإن
كان
البعض
يتوقع
انتهاء
الكتاب
الورقي
قريبا،
فهذا
لا
يعني
أن
الكتاب
ودوره
في
المجتمع
سينتهي،
هو
فقط
سيأخذ
هيئة
جديدة
ونقلة
نوعية
تناسب
الإنسان
في
العصر
الحديث.